حضروا إلى الملعب وفي داخلهم إيماناً كبيراً وثقة أكبر بأن فريقهم سيكون نداً قوياً لبطل أوروبا، جاؤوا حاملين في قلوبهم النية بالثأر من الإسبان عن نهائي 2015، زحفوا من كل مدن إيطاليا لتلبية نداء ناديهم الذي أقصى برشلونة دون أن تتلقى شباكهم أي هدف من أقوى خطوط الهجوم في البطولة، كباراً وصغاراً تجمّعوا على مدرجات ملعب كارديف وصيحاتهم اختلفت عن تلك منذ عامين في برلين لأنّ في باطنهم الصورة مغايرة وأن حظوظهم لرؤية بوفون يرفع الكأس متساوية مع رونالدو وزملائه بعد موسم خرافي للاعبيهم، لكن ما الذي حدث؟
في الليلة التي اختفى بها ضوء القمر عن ملعب المباراة الختامية لموسم أوروبا الكروي” بسبب السقف المستعار فوق أرضية الميدان”، اختفت بها ملامح الفريق الأفضل في إيطاليا بالحقبة الأخيرة، خلال تسعين دقيقة سقطت آخر ورقة توت لأفضل دفاعات العالم، في مباراة واحدة تلّقت شباك بوفون 4 أهداف ثلاث منها خلال 45 دقيقة في شوط انهيار اليوفي، ومع هدف أسينسيو والرابع لريال مدريد أصبح تمزيق شباك جيجي من قبل نجوم النادي الملكي للاحتفال سهلاً بعد كثرة اهتزازها.
الخروج عن المألوف يكلفك الكثير
لا يمكن أن نقيّم مدرب عمل طيلة موسم كامل مع فريقه ونجزم أنه سيء لمجرد مباراة واحدة أخطأ بها التقدير ولم يحضّر بالشكل المطلوب لها، ماسميليانو أليغري لا يختلف أي متابع لكرة القدم عن دهائه وخبثه الإيطالي الكروي، لكن أثبت في نهائي كارديف أن من يحاول التخلي عن مبادئه التي تربى عليها في مثل هذه المواعيد سيكون خطؤه مضاعفاً والعواقب أقوى. ببساطة أليغري حاول مجاراة ريال مدريد هجومياً بالرغم من صعوبة المقارنة بينه وبين خصمه الذي يتميّز بالعمل ككتلة متجانسة ومتفاهمة فيما بينها، جرأة المدرب الإيطالي أفقدت فريقه شيئاً من التوازن في كل النواحي لعل أبرزها الدفاعية، بالرغم من بدئه بأربع لاعبين بخط الدفاع لكنه واجه صعوبة في مرتدات الريال المعروفة والتي جاء منها الهدف الأول، وأوقعت لاعبي بطل إيطاليا في الشك في خانة الشك بقدراتهم، حتى أننا لم نشاهد جملة واحدة من التمريرات صحيحة، والتعاون كان معدوماً خاصةً في الشوط الثاني والهزّات التي تلقّوها بشكل سريع ومتتالي أبعدت حماسهم وجعلتهم عرضة لانتكسات أكبر لولا أن الوقت أسعفهم لتخرج النتيجة بأربع أهداف فقط.
عوامل أخرى
البدء بطريقة هجومية وأنت فريق دفاعي وفي آخر مباريات الموسم وأهمها سيعجّل من فقدانك للياقة الذهنية والبدنية لدى لاعبي فريقك وهذا تماماً ما حدث في صفوف يوفنتوس، يكفي أن نشاهد لقطتي الهدفين الثالث والرابع لتلخص لنا الحالة السيئة التي وصل بها لاعبو أليغري من انهيار بدني وقلّة تركيز حتى أمام منطقة جزاء الفريق كما لقطة مورديتش في الهدف الثالث عندما قطع كرة ساندرو الذي وقف الأخير عاجزاً عن أي ردة فعل أمام تحرك الكرواتي الذي يفوقه سنّاً لكن أقل منه لياقتاً وخلقاً للخطوات التالية.
بوفون!
من يتابع يوفنتوس ومنتخب إيطاليا في الآونة الأخيرة يعلم تماماً قيمة الحارس الأسطوري بوفون كداعم أول لزملائه والمُلهم لهم في أحيانٍ أُخرى، ويكون بمثابة السد العالي وصمام الأمان لشباكهم التي استعصت على معظم الخصوم. في نهائي الأبطال بوفون كان حاضراً لكنه يبدو أن أحلامه في حمل الكأس المتسعصية عليه سيطرت على تفكيره وأبعدته عن تركيزه، ومن ثم أبعدها رونالدو مؤقتاً بعد الهدف الأول وأعاد إحيائها مانزوكيتش بالتعادل، لكن مع تقدم أوقات المباراة تخيّلات بوفون جعلته أنانياً وأسكتته عن تشجيع رفاقه، وتحوّلت إلى كابوس بعد هدف كاسيميرو الذي يتحمل الكثير من مسؤوليته، ثم تكرّس ذلك مع الهدف الثالث من رنالدو، وانهار بالضربة الرابعة.
لا شك أن ظهور السيدة العجوز بهذا الوجه الشاحب تحديداً في الشوط الثاني خذل الكثيرين من عشّاق النادي، وجعلهم لا ينامون حزناً هذه المرة بعد ثنائية محلية، ظهورٌ كان تألق زيدان وعجز أليغري المسؤولين عنه بالدرجة الأولى، فما هي الخطوة التالية للبيانكونيري؟ هل سيعقد صفقاتٍ من العيار الثقيل لتعويض خيبته بهيجوايين؟ هذا ما سنعرفه في الأشهر القليلة القادمة.