كأس العالم

قصة كأس العالم (3) “الأوروجواي تستضيف أول مسابقة لكأس العالم”

 

أصبحت كرة القدم واقعاً ملموساً وشعبيتها في ازدياد، وأدرك جول ريمي ذلك بشكل كبير، لكنه وبحسب طموحه يريد ويحتاج أن يجعلها فكرة عالمية تجمع كل الأمم حولها. في الوقت الذي ترى فيه الكثير من الدول أن كرة القدم في الأولمبياد عبارة عن لعبة للهواة أكثر من أن تكون للمحترفين… لذا فإن تحقيق حلم ريمي في خلق مسابقة كأس العالم هي التي ستحول اللعبة لحلم يراود الجميع، فوجود كأس تتنافس عليه كل الدول لإثبات الأفضلية في كرة القدم ستشعل روح المنافسة وتلهب الجماهير على وجه المعمورة، لتصبح اللعبة الأكثر شعبية.

وبعد تخطيط واتصالات وتصميم منقطع النظير، دعا ريمي لجمعية عمومية تجمع بين أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم يوم 18 مايو 1929، ليناقش معهم تنظيم أول كأس للعالم، وفتح ريمي المجال أمام كل الدول الراغبة في تنظيم أول بطولة لكأس العالم ، فتقدمت إيطاليا وهولندا وإسبانيا والسويد والأورجواي بطلبات استضافة البطولة، وكان أغلب الظن أن أوروبا ستحتضن المونديال، ومن أسباب هذه التوقعات حالة الفقر المنتشرة في أمريكا الجنوبية وقلة وتواضع ملاعبها بعكس أوروبا الغنية والمليئة بالملاعب.

قدم اتحاد الأوروجواي لكرة القدم ملفاً كاملاً فيه كل الضمانات من أجل الظفر بالبطولة، فقد كان رئيس الأوروجواي خوان كامبيستجوي يحلم بأن يشارك العالم الاحتفال مع بلاده بمرور 100 عامًا على الاستقلال، من خلال استضافة أول بطولة لكأس العالم، فتعاطف الكثيرون مع ملف الدولة الصغيرة التي وعدت بتقديم كل مصاريف الوفود من الألف إلى الياء، كما وعدت بتدشين أكبر ملعب في تاريخ اللعبة في زمنهم وستطلق عليه اسم ملعب المئوية المعروف باسم “سينتيناري”.

تم تصميم وبناء ملعب المئوية الذي يتسع لـ76 ألف متفرج في أقل من عام، ما شكل مفاجأة للجميع الذين شككوا بقدرة الأوروجواي على بناء هكذا ملعب في هذا الوقت الضيق، لكن الملعب كان جاهزاً في الوقت المناسب ليصبح أجمل الملاعب في العالم آنذاك.

في ذلك الزمن امتلكت الأوروجواي المنتخب القوي والقادر على تحقيق المعجزات فقد هيمن على كرة القدم في العشرينيات بالفوز بأولمبياد 1924 و1928، وكانت تريد أن تحقق لقب المونديال الأول لتسجل اسمها في التاريخ.

رغم التعاطف مع الأوروجواي رفضت معظم الدول الأوروبية السفر إلى أمريكا اللاتينية، مما شكل مهمة صعبة أمام ريمي، وكانت أسباب هذه الدول أولًا بعد المسافة وزيادة تكاليف السفر، وثانياً لأنها اعتبرت عدم استضافتهم لأول بطولة في العالم إهانة لهم.

وبعد مجهود ضخم أرسل ريميه تأكيدات المشاركة في المونديال لـ12 دولة بالإضافة لمنتخب أوروجواي، ولم يوفر طريقة لإقناع الدول الأوروبية وكانت النتيجة اقتناع أربعة دول أوروبية وهي بلجيكا وفرنسا ورومانيا ويوغسلافيا بالسفر قبل البطولة بشهرين عبر سفينتين عملاقتين، وكانت التكاليف على الاتحاد الدولي لكرة القدم، فلم يرد ريمي أن تتغيب أوروبا عن الحدث الذي من المفترض أن يكون عالمياً لذا كان مصرًا على أن يكون لأوروبا ممثلين في البطولة، ليحصل على أكبر اعتراف وانتشار بين كل الدول.

في يوم 13 يوليو 1930 تم إقامة حفل افتتاح جميل جدًا بمشاركة 13 دولة، سبعة دول من أمريكا الجنوبية وأربعة من أوروبا واثنتين من أمريكا الشمالية، حيث قامت الأوروجواي بتنظيم البطولة في العاصمة مونتيفيديو على ثلاثة ملاعب رئيسية، هي ملعبي جران وبوكيتوس وملعب المئوية (سينتيناريو) الذي كان الملعب الرئيسي للبطولة والذي أقيمت عليه 10 مباريات من أصل 18 مباراة.

وبذلك تحقق حلم جول ريميه، ونالت البطولة اهتمامًا كبيرًا، وتابع الأوروبيون البطولة عبر الراديوبكل حماس.

فقد شهدت الدورة إثارة منقطعة النظير ومباريات رائعة وبزوغ العديد من النجوم، وهذا ما سنستعرضه بالتفصيل في القصة القادمة.